تحية عطرة
المقدمة
المرأة سر الوجود .. كائن يختصر الحياة ويختزل المعاني .. تحت هذه الحروف الأربعة تندرج كل الحروف الأخرى بكل الأبجديات وبكل اللغات .. المرأة القوية ..الضعيفة .. المتعلمة .. المثقفة .. الأم .. الزوجة .. البنت .. الأخت .. الواثقة .. الخائفة الغريبة .. المغتربة .. المتدينة.. العاملة .. ربة المنزل .. الطالبة مهما اختلفت الصفة هي دائماً امرأة خلاقة ومبدعة وإن تجلى هذا الإبداع في أقرب الحلقات أو في أبعدها .. نماذج كثيرة كثيرة قد نعجز عن حصرها أو إحصاء عددها فهي متنوعة قدر تنوع الصفات ومتعددة قدر تعدد الكلمات .. لكننا سنتناول بعضاًمنها لنلقي الضوء على جوانب من شخصياتها ومن تجاربها .. قصص كثيرة .. تجارب متنوعة .. إضاءات مد وجذر .. خسوف وكسوف كلمات أدندنها بحبري فتسمعها أرواحكم .. فتطرب روحي ..
البداية مع المرأة المغتربة .
المقال الأول
المرأة المغتربة
تجربة المرأة المغتربة تكاد تكون التجربة الأكثر انتشاراً والأوسع نطاقاً في أيامنا الحالية .. والغربة بمفهومها القسري الجديد تختلف تماماً عن الغربة الاختيارية التي كانت سائدة بمعزل عن الحروب أو الظروف القهرية التي جعلت الاغتراب الخيار الوحيد المتاح ..
فالغربة الاختيارية هي قرار هادئ مدروس متزن يضفي هدوئه واتزانه على كل مراحله .. فتنقل المرأة حاجياتها وذكرياتها وألبومات صورها في بداية طريق حياتها بهدوء وتروي لتضعها في إحدى زوايا الغرفة الجديدة البعيدة بكل أناقة .. وتكون تلك الغربة مصحوبة في أغلب الحالات بشعور بالسعادة والرضى والأمل ..
أما الغربة القسرية فهي قرار إجباري لدرجة يفقد معها صفة القرار ويصبح بمثابة الحكم. حكم إجباري ولا بد من تنفيذه .. ويرافق تنفيذ مراحله شيئاً من التهور وعدم الاتزان .. فتتقل المرأة حاجياتهاوذكرياتها وألبومات صورها في منتصف طريق حياتها و دون وعي أو انتباه .. فتفقد بعضها .. وتنسى معظمها ،. وتضيق حقائبها الصغيرة عن استيعاب أهمها ..
ودور المرأة في الحالة الأولى يبدأ صغيراً ويكبر رويداً .. رويداً .. فترسي قواعدها وأولويات حياتها بإمعان في سبيل البحث عن المستقبل بضغوطات معيشية مقبولة موجودة في كل زمان ومكان.
أما في الحالة القسرية الثانية فالوضع يختلف تماماً حيث تقع على عاتقها مهمة مضاعفة .. ويصبح من واجبها خلق الحياة التي كانت قبل الاغتراب بكل تفاصيلها .. و استنساخ ذات البيت الذي كان بكل أركانه .. وإذا كانت مهمة الرجل تكاد تنتهي بتأمين مكان العيش ومورده .. فمهمة المرأة في هذه الحالة تكاد لا تنتهي .. وتكاد تكون مهمة مستحيلة.. بخلق الفرح .. وتأمين الجو الإيجابي .. وامتصاص كل السلبيات التي قد ترافق الحياة الجديدة ولكل أفراد الأسرة .. وبغض النظر عن روحها المتعبة أو أجنحتها المتكسرة أو الهشاشة التي تنخر عظامها وأيامها.. لا مكان لعذاباتها هنا .. ولا متسع لآلامها فهي ربان السفينة الروحي .. وعرابة النفوس والأرواح .. وأي إهمال أو تقصير قد يكلفها كثيراً فيما بعد .. هكذا تعيش المرأة المغتربة أيامها بقامة ممشوقة مرتكزة على أشواك روحها .. تخلق لعائلتها الحياة من ضلع الموت .. وتبدع في التكيف مع المستحيل .. وتتقن فن الصمود في وجه كل الأعاصير .. هكذا تبث نور الأمل من ظلمات أقبية ألمها .. هكذا تصنع من نفسها بساطاً سحرياً يتسابق الجميع للجلوس عليه طمعاً في الراحة والأمان .. هكذا تحول إيقاع طبول الحرب المرعب إلى إيقاع جميل تطرب له النفس وتأمن الروح في كنفه وبين أنغامه ..
رفيف التركي